الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية / الجزء السادس والثلاثون
1 - المأتم في اللغة: مجتمع الرّجال والنّساء في الغمّ والفرح, ثمّ خصّ به اجتماع النّساء للموت, وقيل: هو للشّوابّ من النّساء لا غير, والعامّة تخصه بالمصيبة. والمأتم عند الفقهاء هو: اجتماع النّاس في الموت. التّعزية: 2 - التّعزية في اللغة: مصدر عَزّى والثلاثي منه عَزِي أي: صبر على ما نابه, يقال: عزّيته تعزيةً: قلت له: أحسن اللّه عزاءك, أي رزقك الصّبر الحسن, والعزاء اسم من ذلك, ويقال تعزّى هو: تصبّر, وشعاره أن يقول: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون. قال الأزهري: أصلها التّعبير لمن أصيب بمن يعز عليه. والتّعزية اصطلاحاً: الأمر بالصّبر والحمل عليه بوعد الأجر والتّحذير من الوزر بالجزع, والدعاء للميّت بالمغفرة, وللمصاب بجبر المصيبة. والتّعزية أخص من المأتم. 3 - يرى الشّافعيّة والحنابلة وكثير من متأخّري الحنفيّة كراهة المأتم. جاء في المجموع: وأمّا الجلوس للتّعزية فنصّ الشّافعي وسائر الأصحاب على كراهته, قالوا: يعنى بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميّت في بيتٍ فيقصدهم من أراد التّعزية, قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم, فمن صادفهم عزّاهم, ولا فرق بين الرّجال والنّساء في كراهة الجلوس لها, قال الشّافعي في الأمّ: وأكره المأتم وهي الجماعة, وإن لم يكن لهم بكاء فإنّ ذلك يجدّد الحزن ويكلّف المؤنة. وقال البهوتيّ: ويكره الجلوس لها أي للتّعزية, بأن يجلس المصاب في مكانٍ يعزوه, أو يجلس المعزّي عند المصاب للتّعزية, لما في ذلك من استدامة الحزن, وقال نقلاً عن الفصول: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لتهييجه الحزن. وقال ابن عابدين نقلاً عن الإمداد: وقال كثير من متأخّري أئمّتنا: يكره الاجتماع عند صاحب البيت, ويكره له الجلوس في بيته حتّى يأتي إليه من يعزّي, بل إذا فرغ ورجع النّاس من الدّفن فليتفرّقوا ويشتغل النّاس بأمورهم وصاحب البيت بأمره. وعند المالكيّة وبعض الحنفيّة: يجوز أن يجلس الرّجل للتّعزية كما فعل النّبي صلى الله عليه وسلم حين جاء خبر جعفرٍ, وزيد بن حارثة, وعبد اللّه بن رواحة, ومن قتل معهم رضي الله عنهم بمؤتة, وواسع كونها قبل الدّفن وبعده, والأولى عند رجوع الوليّ إلى بيته, وقال المالكيّة: كره اجتماع نساءٍ لبكاء سرّاً, ومنع جهراً كالقول القبيح مطلقاً. وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز الجلوس للمصيبة ثلاثة أيّامٍ, وهو خلاف الأولى, ويكره في المسجد, وفي الأحكام عن خزانة الفتاوى: الجلوس في المصيبة ثلاثة أيّامٍ للرّجال جاءت الرخصة فيه, ولا تجلس النّساء قطعاً. (ر: تعزية ف 6).
انظر: وليمة.
1 - المأذون في اللغة: اسم مفعولٍ من أذن, يقال: أذن له في الشّيء: أي أباحه له. والاسم: الإذن, ويكون الأمر إذناً, وكذا الإرادة نحو بإذن اللّه, ويقال: أذنت للصّغير في التّجارة, فهو مأذون له. والفقهاء يحذفون الصّلة تخفيفاً, فيقولون: العبد المأذون, لفهم المعنى. وتأتي أذن بمعنى: علم, على مثل قوله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. وبمعنى استمع كما في قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}. والمأذون اصطلاحاً: هو الّذي فكّ الحجر عنه, وأذن للتّجارة, وأطلق له التّصرف من مولاه إنّ كان عبداً, ومن وليّه إن كان صغيراً. المحجور: 2 - المحجور لغةً واصطلاحاً: هو الممنوع من نفاذ التّصرف والصّلة بين المأذون والمحجور التّضاد. 3 - الإذن بالتّصرف للمأذون جائز عند جمهور الفقهاء إذا قام مبرّر لذلك كالقاصر إذا قارب البلوغ فإنّه يؤذن له بالتّصرف. والأصح عند الشّافعيّة أنّه لا يجوز الإذن له بالتّجارة, وإنّما يتولّى وليه العقد.
4 – للمأذون له شروط معيّنة منها: التّمييز, وإيناس الخبرة في التّجارة والتّصرفات الماليّة. وفي ذلك خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح: (صغر ف 39).
5 - الإذن للصّغير قد يكون عامّاً في كلّ أنواع التّجارة, وقد يكون خاصّاً بأن يكون في نوعٍ من أنواع التّجارة, لا يتعدّاه إلى غيره. فالحنفيّة يرون أنّ الإذن إن كان عامّاً في جميع أنواع التّجارة, أو لم يحدّد بوقت كان عامّاً في جميع الأنواع وتوابعها, وما يترتّب عليها من رهنٍ وإعارةٍ. وإن كان خاصّاً في نوعٍ من التّجارة, أو حدّد الإذن بوقت - كشهر أو عدّة أشهرٍ - فإنّ الإذن عام في جميع أنواع التّجارات وتوابعها وضروراتها, فينقلب الإذن الخاص عامّاً, ولا يتحدّد بنوع من التّجارات, ولا بوقت بل لو أذن له في نوعٍ, ونهاه عن غيره, لم يكن الصّغير ملزماً بهذا النّهي, وكان له الحق أن يتصرّف فيما نهاه عنه الولي خلافاً لزفر. ولـه أن يبيع وإن كان بغبن فاحشٍ عند الإمام أبي حنيفة, ولم يجوّز الصّاحبان ذلك, وجوّزاه في الغبن اليسير المحتمل عادةً. ويرى المالكيّة أنّ الإذن موقوف على إجازة الوليّ, وأنّ هذا الإذن لا يعدو أن يكون اختباراً وتمريناً للصّغير, فللوليّ أن يدفع إلى الصّبيّ مقداراً محدوداً وقليلاً من المال, وأن يأذن له أن يتصرّف بهذا المبلغ, ولكن حتّى بعد هذا الإذن, فلن يكون عقد الصّغير لازماً نافذاً, بل هو موقوف على إجازة وليّه. وأمّا الشّافعيّة فعندهم وجهان في وقت اختبار الصّبيّ, أحدهما: بعد البلوغ, وأصحهما قبله, وعلى هذا ففي كيفيّة اختباره وجهان, أصحهما: يدفع إليه قدر من المال, ويمتحن في المماكسة والمساومة, فإذا آل الأمر إلى العقد عقد الولي, والثّاني: يعقد الصّبي ويصح منه هذا العقد للحاجة. وذهب الحنابلة: إلى أنّ الإذن محل اعتبارٍ, فإن كان عامّاً كان للصّغير أن يمارس التّجارة بشكل عامٍّ, وإن كان خاصّاً التزم الصّغير به, فللوليّ أن يأذن للصّغير في التّجارة وعلى الصّغير أن يلتزم بما حدّده له الولي قدراً ونوعاً, فإذا حدّد له الاتّجار في نوعٍ, فليس له أن يتعدّاه, أو مبلغاً فليس له أن يتجاوزه, وإذا أذن له في التّجارة إذناً مطلقاً, فليس له أن يتصرّف في غيرها من وكالةٍ أو توكيلٍ, أو رهنٍ أو إعارةٍ.
6 - حق الإذن بالتّصرف للمأذون يكون لمن يملك التّصرف عنه وهو الولي, والوصي, والقاضي, وذلك بشروط وضوابط بيّنها الفقهاء في مواضعها. والتّفصيل في مصطلحات: (إذن ف 27, وليّ, وصيّ).
7 - تصرفات الصّغير تعتريها حالات ثلاث: فإمّا أن تكون نافعةً, وإمّا أن تكون ضارّةً, وإمّا أن تكون متأرجحةً بين النّفع والضّرر. وهذه التّصرفات بعضها تصح بإذن وليّه, وبعضها لا تصح ولو بالإذن, وبعضها لا يحتاج إلى إذنٍ. أ - فالتّصرفات الّتي تكون نافعةً للصّغير, ولا تحتمل الضّرر: من تملك مالٍ, أو منفعةٍ دون مقابلٍ, لا تحتاج إلى إذنٍ, ويصح تصرفه عند جمهور الفقهاء غير الشّافعيّة, ورواية عند الحنابلة. وتفصيل ذلك: أنّ الحنفيّة والمالكيّة, قالوا: بأنّ الصّبيّ المميّز يصح له أن يقبل الهبة المطلقة, وأن يقبضها, ويملكها بقبضه, وإن لم يأذن له وليه, وهو اختيار بعض الحنابلة. ولمّا كان قبول الهبة وقبضها نفعاً محضاً لا يشوبه ضرر, صحّ من الصّبيّ من غير إذن الوليّ, لأجل مصلحته. وذهب الشّافعيّة: إلى أنّ الصّبيّ لا يصح منه قبول الهبة ولا يقبضها, وإن أذن له وليه, حتّى لو قبضها لم يملكها بهذا القبض, لإبطالهم سائر تصرفات الصّغير, لأنّه محجور عليه, ولو كان عقد هبةٍ, لأنّه ليس أهلاً لإبرام العقود, وإن تمحّض نفعاً. وذهب الحنابلة: إلى أنّ الصّغير يصح قبوله الهبة وقبضها, إذا أذن له الولي في ذلك, فإن لم يأذن له لم يصحّ قبوله ولا قبضه, لأنّ الهبة عقد, ولا بدّ لمن يقبل, أن يكون أهلاً لإبرام العقود, والصّبي ليس أهلاً لذلك إلا بإذن الوليّ. ولأنّه بالقبض يصير مستولياً على المال, وهناك احتمال تضييعه أو التّفريط في حفظه, فينبغي أن يحفظ عنه ويمنع من قبضه, أمّا إذا كان بالإذن, فإنّ الاحتمال هذا مدفوع. ب - أما التّصرفات الضّارّة الّتي تؤدّي إلى ضررٍ محضٍ, ولا تحتمل النّفع كالهبة والوقف والقرض, فلا تصح من الصّغير, ولو أذن له وليه. وهذا باتّفاق الفقهاء لأنّ الوليّ لا يملك هذه التّصرفات, فلا يملك الإذن بها. أما الوصيّة, والصلح, والإعارة, فقد اختلف الفقهاء في جوازها نظراً لما رأوه فيها من نفعٍ أو ضررٍ. ج - أمّا تصرف الصّغير المميّز في المعاوضات فإمّا أن تكون قبل إذن الوليّ, أو بعد إذنه, فتصرفه قبل الإذن ينعقد صحيحاً, ويكون نفاذه موقوفاً على إجازة وليّه, إن أجازه لزم, وإن ردّه فسخ, وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة, ورواية عند الحنابلة. وتعليل ذلك: أنّ عبارة الصّغير المميّز صحيحة, لأنّه قاصد لها, فاهم لمعناها, وما يترتّب عليها, فلا معنى لإلغائها, ولأنّ في تصحيح عبارته تعويداً له على التّجارة, ومراناً واختباراً لمدى ما وصل إليه من إدراكٍ, ممّا يسهّل الحكم برشده, أو عدم رشده بعد البلوغ. وذهب الشّافعيّة والحنابلة - في روايةٍ - إلى عدم صحّة تصرفه بدون إذن وليّه, لأنّ عبارته ملغاة, فلا تصح بها العقود, ولأنّه محجور عليه, فلا يصح تصرفه كالسّفيه, ولأنّ في تصحيح تصرفه ضياعاً لماله, وضرراً عليه, لأنّه لا يحسن التّصرف, فلا يصح منه. أما تصرفاته بعد الإذن, فقد اختلف فيها الفقهاء: فالحنفيّة, والمالكيّة, والحنابلة: يرون أنّ للوليّ أن يأذن للصّغير المميّز في المعاوضات, وأنّ تصرفه حينئذٍ صحيح نافذ, واستدلوا بقوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} والابتلاء يكون قبل البلوغ, ولأنّ الصّبيّ عاقل مميّز, فيصح تصرفه بإذن وليّه, كما يصح تصرف العبد المحجور عليه بإذن سيّده. وذهب الشّافعيّة في الأصحّ وروايةٍ عن أحمد: إلى أنّه ليس للوليّ أن يأذن للصّغير في التّجارة, ولو أذن له لم يصحّ إذنه, فلا يصح تصرفه بعد الإذن, كما لم يصحّ قبل الإذن, لقولـه صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النّائم حتّى يستيقظ, وعن الصّغير حتّى يكبر, وعن المجنون حتّى يعقل أو يفيق», فلو صحّ بيعه لزمه تسليم المبيع, وما يترتّب على العقد من عهدةٍ, والحديث ينفي التزام الصّبيّ بأيّ شيءٍ, فالقول بصحّة تصرفاته يتنافى مع الحديث, فلا يجوز القول به. وفي روايةٍ أخرى عند الشّافعيّة يصح من المأذون للحاجة. والصّحيح أنّ الصّغير المميّز يمكن أن يؤدّي المبيع أو الثّمن ويمكن أن ينوب عنه وليه.
8 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ السّفيه المأذون له بالبيع والشّراء ينفذ تصرفه هذا. وأمّا الشّافعيّة في الأصحّ عندهم, والحنابلة في أحد وجهين فقد ذهبوا إلى عدم صحّة ذلك العقد. وفي القول المقابل للأصحّ عند الشّافعيّة والوجه الآخر عند الحنابلة يصح عقده. وتفصيل ذلك في مصطلح: (سفه ف 26 وما بعدها).
9 - إذا مات الآذن: إن كان أباً, انتهت الولاية, وترتّب على ذلك بطلان الإذن واستمرار الحجر عليه. وإن كان الآذن وصيّاً, فتنتهي الوصاية بوفاته, وينتهي الإذن أيضاً, وما يفعله المأذون من تصرفاتٍ بعد موت الآذن, لا تصح, ولا يترتّب عليها أي آثارٍ. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (إذن ف 65) ومصطلح: (ولاية ووصيّة).
1 - المؤلّفة في اللغة: جمع مؤلّفٍ وهو اسم مفعولٍ من الألفة, يقال: ألّفت بينهم تأليفاً إذا جمعت بينهم بعد تفرقٍ, والمراد بتأليف قلوبهم: استمالة قلوبهم بالإحسان والمودّة. والمؤلّفة قلوبهم في الاصطلاح: هم الّذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام, أو تقريراً لهم على الإسلام, أو كف شرّهم عن المسلمين, أو نصرهم على عدوٍّ لهم, ونحو ذلك. 2 - حثّ الإسلام أتباعه بالإحسان إلى خصومهم وأعدائهم, وبذلك يفتح الإسلام القلوب بالإحسان, كما يفتح العقول بالحجّة والبرهان, قال اللّه تعالى: {وَََلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَََلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. ولذلك شرع الإسلام نصيباً من مال الزّكاة لتأليف القلوب, قال القرطبي: قال بعض المتأخّرين: اختلف في صفة المؤلّفة قلوبهم، فقيل: هم صنف من الكفّار يعطون ليتألّفوا على الإسلام, وكانوا لا يسلمون بالقهر والسّيف, ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان, وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألّفوا أتباعهم على الإسلام, قال: هذه الأقوال متقاربة, والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكّن إسلامه حقيقةً إلا بالعطاء فكأنّه ضرب من الجهاد. وقال: المشركون ثلاثة أصنافٍ: صنف يرجع بإقامة البرهان, وصنف بالقهر, وصنف بالإحسان, والإمام النّاظر للمسلمين يستعمل مع كلّ صنفٍ ما يراه سبباً لنجاته وتخليصه من الكفر, وقد فقّه الرّسول صلى الله عليه وسلم أمّته في تأليف النّاس على الإسلام بقوله: «إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يُكبّ في النّار على وجهه».
3 - اختلف الفقهاء في سهم الزّكاة المخصّص للمؤلّفة قلوبهم: فجمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ سهمهم باقٍ. وذهب بعضهم إلى أنّ سهمهم منقطع لعزّ الإسلام, لكن إذا احتيح إلى تألفهم أعطوا. وقال الحنفيّة بسقوط سهم المؤلّفة قلوبهم. 4 - ثمّ اختلف الفقهاء في أقسامهم: فقال المالكيّة: المؤلّفة قلوبهم كفّار يتألّفون. وقال الشّافعيّة: لا يعطى من هذا السّهم لكافر أصلاً. وجوّز الحنابلة الإعطاء لمؤلّف مسلماً كان أو كافراً. وقال ابن قدامة: المؤلّفة قلوبهم ضربان: كفّار ومسلمون, والكفّار صنفان, والمسلمون أربعة أصنافٍ. والتّفصيل في مصطلح: (زكاة ف 167 - 168).
1 - المأمومة في اللغة: هي الشّجّة الّتي تبلغ أمّ الرّأس, وهي الجلدة الّتي تجمع الدّماغ, ويقال لها: آمّة أيضاً, قال المطرّزيّ: إنّما قيل للشّجّة آمّة ومأمومة على معنى ذات أمٍّ كعيشة راضيةٍ, وجمعها أوام ومأمومات ومآميم. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. الشّجّة: 2 - الشّجّة في اللغة: الجراحة في الوجه أو الرّأس, والشّجج أثر الشّجّة في الجبين. ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ الشّجّة عن المعنى اللغويّ. والصّلة: أنّ الشّجّة أعم من المأمومة, لأنّ المأمومة واحدة من شجاج الوجه والرّأس. 3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ في المأمومة ثلث الدّية وذلك لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وفي المأمومة ثلث الدّية». والتّفصيل في مصطلح: (ديات ف 68, وشجاج ف 4 وما بعدها).
1 - المؤْنة - بهمزة ساكنةٍ - في اللغة: الثّقل والمؤونة مثله, والمؤونة: القوت. والمؤنة عند الفقهاء: الكُلْفة, أي ما يتكلّفه الإنسان من نفقةٍ ونحوها. وكثيراً ما يعبّر الفقهاء عن النّفقة بالمؤنة وعن المؤنة بالنّفقة. وصرّح بعضهم بأنّ المؤنة أعم من النّفقة, قال الشّرقاويّ: لأنّ المؤنة في اللغة: القيام. بالكفاية قوتاً أو غيره, والإنفاق النّفقة بل ذو القوت فقط. والفقهاء يعقدون باباً خاصّاً للنّفقة ويقصدون بها نفقة الزّوجة والأقارب والمماليك, فيقولون: أسباب النّفقة ثلاثة: النّكاح والقرابة والملك. 2 - اختلف الفقهاء في احتساب المؤنة الّتي تتكلّفها الزروع والثّمار الّتي تجب فيها الزّكاة: فذهب المالكيّة إلى أنّه يحسب من نصاب الزّكاة - خمسة أوسقٍ فأكثر - ما استأجر المالك به من الزّرع في حصاده أو دراسته, أو تذريته حال كونه قتَّا - أي محزوماً - ويحسب كذلك الكيل الّذي استأجر به, ولقط اللّقاط الّذي مع الحصاد لأنّه من الأجرة, لا لقط ما تركه ربه, ولا يحسب أكل دابّةٍ في حال دوسها لعسر الاحتراز منها, فنزل منزلة الآفات السّماويّة وأكل الوحوش, ويحسب ما تأكله حال استراحتها. وقال الشّافعيّة: مؤنة تجفيف التّمر وجذاذ الثّمار وحصاد الحبّ, وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه, وغير ذلك من مؤن الثّمر والزّرع, تكون كلها على المالك لا من مال الزّكاة. وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباحٍ أنّه قال: تكون المؤنة من وسط المال لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء, لأنّ المال للجميع فوزّعت المؤنة عليه. وقال أحمد: من استدان ما أنفق على زرعه, واستدان ما أنفق على أهله, احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله, لأنّه من مؤنة الزّرع, وعندهم في ذلك تفصيل. ويرى الحنفيّة وجوب إخراج زكاة الزّرع بلا رفع مؤنةٍ من أجرة العمّال ونفقة البقر, وكري الأنهار وأجرة الحافظ وبلا رفع إخراج البذر. وللتّفصيل: (ر: زكاة ف 116).
3 - المؤنة في الإجارة إمّا أن تكون بالنّسبة لكلفة ردّ العين المستأجرة, وإمّا أن تكون بالنّسبة لما يحتاجه المستأجر من مؤنةٍ أثناء الإجارة. وبيان ذلك فيما يلي: 4 - ذهب الحنفيّة - على ما قال محمّد في الأصل - إلى أنّه ليس على المستأجر رد ما استأجر على المالك, وعلى الّذي آجر أن يقبض من منزل المستأجر, قال محمّد في الأصل: إذا استأجر الرّجل رحىً يطحن عليها شهراً بأجر مسمّىً, فحمله إلى منزله فمؤنة الرّدّ على ربّ الرّحى, والمصر وغير المصر في ذلك سواء, فمؤنة الرّدّ على ربّ المال, لكنّ هذا إذا كان الإخراج بإذن ربّ المال, فأمّا إذا حصل الإخراج بغير إذن ربّ المال فمؤنة الرّدّ على المستأجر. وأمّا الرّد بالنّسبة للأجير المشترك نحو القصّار والصّبّاغ والنّسّاج فهو على الأجير, لأنّ الرّدّ نقض القبض, فيجب على من كان منفعة القبض له, ومنفعة القبض في هذه المواضع للأجير, لأنّ للأجير عيناً وهو الأجرة, ولربّ الثّوب المنفعة, والعين خير من المنفعة فكان الرّد عليه. والشّافعيّة يبنون تحمل مؤنة ردّ الشّيء المستأجر على لزوم الرّدّ وعدم لزومه. جاء في المهذّب: اختلف أصحابنا في ردّ المستأجَر بعد انقضاء الإجارة فمنهم من قال: لا يلزم المستأجِر الرّد قبل المطالبة, لأنّ المستأجَر أمانة فلا يلزمه ردها قبل الطّلب كالوديعة, ومنهم من قال: يلزمه لأنّه بعد انقضاء الإجارة غير مأذونٍ له في إمساكها, فلزمه الرّد كالعارية المؤقّتة بعد انقضاء وقتها, فإن قلنا: لا يلزمه الرّد لم يلزمه مؤنة الرّدّ كالوديعة, وإن قلنا: يلزمه الرّد لزمه مؤنة الرّدّ كالعارية. وقال الحنابلة: لا يلزم المستأجر رد الشّيء المستأجر, ولا مؤنته كالمودَع، لأنّ الإجارة عقد لا يقتضي الضّمان, فلا يقتضي الرّدّ ولا مؤنته.
5 - اتّفق الفقهاء على أنّ مؤنة الشّيء المستأجَر كعلف الدّابّة وسقيها تكون على المؤجِّر أثناء مدّة الإجارة, لأنّ ذلك من مقتضى التّمكين فكان عليه, إلا أنّ الفقهاء يختلفون في التّفصيل كما يلي: 6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ نفقة المستأجَر على الآجر عيناً كانت أو منفعةً, وعلف الدّابّة المستأجرة وسقيها على المؤجّر, لأنّها ملكه فإن علفها المستأجر بغير إذنه فهو متطوّع, لا يرجع به على المؤجّر. وليس على المستأجِر طعام الأجير إلا أن يتطوّع بذلك, أو يكون فيه عرف ظاهر. وقد ذكر الحنفيّة حكم ما إذا شرط المؤجّر على المستأجر الطّعام أو العلف, جاء في الفتاوى الهنديّة: رجل استأجر عبداً كلّ شهرٍ بكذا, على أن يكون طعامه على المستأجر, أو دابّةً على أن يكون علفها على المستأجر, ذكر في الكتاب أنّه لا يجوز. وفي الفتاوى الهنديّة: كل إجارةٍ فيها رزق أو علف فهي فاسدة إلا في استئجار الظّئر بطعامها وكسوتها، كذا في المبسوط. وإذا اكترى رجل حماراً فعيي في الطّريق, فأمر المكتري رجلاً أن ينفق على الحمار ففعل المأمور, فإن علم المأمور أنّ الحمار لغير الآمر لا يرجع بما أنفق على أحدٍ, لأنّه متبرّع, وإن لم يعلم المأمور أنّ الحمار لغير الآمر له أن يرجع على الآمر, وإن لم يقل الآمر على أنّي ضامن. 7 - وأجاز المالكيّة اشتراط المؤنة على المستأجر, جاء في منح الجليل: جاز كراء الدّابّة على أنّ على المكتري علفها, ولا بأس أن يكتري إبلاً من رجلٍ على أنّ عليه رحلتها, أو يكتري دابّةً بعلفها أو أجيراً بطعامه, فذلك جائز وإن لم توصف النّفقة لأنّه معروف, قال مالك: لا بأس أن يؤاجر الحر والعبد أجلاً معلوماً بطعامه في الأجل أو بكسوته فيه. وجاء في منح الجليل أيضاً: وإذا اكتريت من رجلٍ إبله, ثمّ هرب الجمّال وتركها في يديك, فأنفقت عليها فلك الرجوع بذلك, وكذلك إن اكتريت من يرحّلها رجعت بكرائه, وتأوّل أبو إسحاق ذلك بكون العادة أنّ ربّ الإبل هو الّذي يرحّلها, قال ابن عرفة: والأظهر بمقتضى القواعد: أن يلزم المكري البرذعة والسّرج ونحوهما, لا مؤنة الحطّ والحمل. وقال المالكيّة: لا بأس بإجارة الظّئر على إرضاع الصّبيّ, ولا يلزم المستأجر غير ما استأجرها به من أجرةٍ, إلا أن يشترط أن يكون على المستأجر طعامها وكسوتها, فذلك جائز, قال ابن حبيبٍ: وطعامها وكسوتها على قدرها وقدر هيئتها وقدر أبي الصّبي في غناه وفقره. ويجوز أن يكون طعام الأجير وحده هو الأجرة أو مع دراهم. 8 - وقال الشّافعيّة: على المكري علف الظّهر وسقيه, لأنّ ذلك من مقتضى التّمكين فكان عليه, ومن اكترى جمالاً فهرب الجمّال وتركها عند المكتري فلا فسخ له ولا خيار, بل إن شاء تبرّع بمؤنتها, وإن لم يتبرّع رفع الأمر إلى القاضي: ليموّنها القاضي ويموّن من يقوم بحفظها من مال الجمّال إن كان له مال, فإن لم يكن للجمّال مال ولم يكن في الجمال فضل, اقترض القاضي على الجمّال من المكتري أو من أجنبيٍّ أو من بيت المال, فإن وثق القاضي بالمكتري دفع ما اقترضه إليه, وإن اقترضه منه لينفقه عليها, وإن لم يثق به جعل القاضي ما اقترضه عند ثقةٍ ينفق عليها. وإذا لم يجد القاضي مالاً يقترضه فله أن يبيع من الجمال قدر النّفقة عليها وعلى من يتعهّدها, وإذا كان في الجمال المتروكة زيادة على حاجة المستأجر فلا يقترض القاضي على الجمال, كما صرّح به العراقيون بل يبيع الفاضل عن الحاجة. ولو أذن القاضي للمكتري في الإنفاق على الجمال, وعلى متعهّدها من ماله أو من مال غيره, ليرجع بما أنفقه عليها وعلى متعهّدها, جاز في الأظهر, كما لو اقترض ثمّ دفع إليه, ولأنّه محل ضرورةٍ, فقد لا يجد القاضي من يقرضه أو لا يراه, ومقابل الأظهر المنع ويجعل متبرّعاً. وإذا أنفق المستأجر بغير إذن الحاكم فإنّه لا يرجع بما أنفق ويعتبر متبرّعاً, لكنّ محلّ هذا إذا أمكن إذن الحاكم, فإذا لم يمكن إذن الحاكم كأن لم يكن حاكم, أو عسر إثبات الواقعة عنده, فأنفق وأشهد على ما أنفق ليرجع رجع, والقول قوله في قدر ما أنفق إذا ادّعى نفقة مثله في العادة, لأنّه أمين. وإن كانت الإجارة في الذّمّة فمؤنة الدّليل وسائق الدّابّة وأجرة الخفير على المكري, لأنّ ذلك من مؤن التّحصيل, وإن كانت الإجارة على ظهرٍ بعينه فهو على المكتري, لأنّ الّذي يجب على المكري تسليم الظّهر وقد فعل. وطعام المرضعة وشرابها عليها, وعليها أن تأكل وتشرب ما يدر به اللّبن ويصلح به, وللمستأجر أن يطالبها بذلك, لأنّه من مقتضى التّمكين من الرّضاع, وفي تركه إضرار بالصّبيّ. 9 - وذهب الحنابلة إلى ما ذهب إليه الشّافعيّة في الجملة, وذلك بالنّسبة للإنفاق على الجمال الّتي تركها المكري عند المستأجر دون أن يكون له مال وحينئذٍ يرفع المستأجر الأمر للقاضي ليقترض له, أو ليأذن له في الإنفاق ويكون ديناً على المكري, وفي الإنفاق عند عدم الحاكم مع الإشهاد وعدمه, وهذا على ما سبق من التّفصيل في مذهب الشّافعيّة. واختلفت الرّواية عن أحمد فيمن استأجر أجيراً بطعامه وكسوته, أو جعل له أجراً وشرط طعامه وكسوته, فروي عنه جواز ذلك, وروي عن أبي بكرٍ وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم أنّهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم, وروي عن أحمد أنّ ذلك جائز في الظّئر دون غيرها, واختار القاضي هذه الرّواية, لأنّ ذلك مجهول, وإنّما جاز في الظّئر لقول اللّه تعالى: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} فأوجب لهنّ النّفقة والكسوة على الرّضاع. وروي عن أحمد رواية ثالثة: أنّه لا يجوز ذلك بحال لا في الظّئر ولا في غيرها. واستدلّ ابن قدامة على رواية جواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته بما روى عتبة بن المنذر رضي الله عنه قال: «كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقرأ: {طسم} حتّى إذا بلغ قصّة موسى قال: إنّ موسى صلى الله عليه وسلم آجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفّة فرجه وطعام بطنه». قال ابن قدامة: وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه. وقال ابن قدامة أيضاً: وإن شرط الأجير كسوةً معلومةً ونفقةً موصوفةً كما يوصف في السّلم جاز ذلك, وإن لم يشترط طعاماً ولا كسوةً فنفقته وكسوته على نفسه, وكذلك الظّئر. ولو استأجر دابّةً بعلفها أو بأجرٍ مسمّىً وعلفها لم يجز, لأنّه مجهول, ولا عرف له يرجع إليه إلا أن يشترطه موصوفاً فيجوز. وقال الحنابلة: أجرة الدّليل تكون على المكتري, لأنّ ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فلم يلزمه كالزّاد, وقيل: إن كان اكترى منه بهيمةً بعينها فأجرة الدّليل على المكتري, لأنّ الّذي عليه أن يسلّم الظّهر وقد سلّمه, وإن كانت الإجارة على حمله إلى مكانٍ معيّنٍ في الذّمّة فهو على المكري, لأنّه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه.
10 - من غصب شيئاً وجب رده لصاحبه متى كان باقياً لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي». والرّد واجب على الفور عند التّمكن, ومؤنة الرّدّ تكون على الغاصب, باتّفاق الفقهاء في الجملة, وإن عظمت المؤنة في ردّه كما قالت الشّافعيّة والحنابلة. ومن غصب شيئاً ونقله إلى بلدٍ أخرى ولقيه المغصوب منه في هذا المكان, والعين في يد الغاصب, فملخّص ما قاله الحنفيّة: أنّه إن كان نقل المغصوب يحتاج إلى حملٍ ومؤنةٍ فالمالك بالخيار إن شاء طالبه بالقيمة, وإن شاء انتظر إلى أن يردّه الغاصب إلى مكان الغصب, وإن لم يكن له حمل ومؤنة كما لو كان المغصوب دراهم أو دنانير فليس للمغصوب منه مطالبة الغاصب بالقيمة, وإنّما له أخذ عين شيئه. وقال المالكيّة: إن كان المغصوب مثليّاً فلا يلزم الغاصب إلا مثله في بلد الغصب, وقال أشهب: ويخيّر المغصوب منه بين أخذه في هذا البلد أو في مكان الغصب, وإذا طلب المغصوب من الغاصب ردّ المثليّ لبلد الغصب ليأخذه بعينه فلا يجبر الغاصب على ردّه لبلده, قال في الذّخيرة: نقل المغصوب تباينت فيه الآراء بناءً على ملاحظة أصولٍ وقواعد منها: أنّ الغاصب لا ينبغي أن يغرم كلفة النّقل لأنّ ماله معصوم كمال المغصوب منه. وإن كان المغصوب متقوّماً فإن كان لا يحتاج في نقله إلى كبير حملٍ كالدّوابّ أخذه المغصوب منه من الغاصب, وإن كان يحتاج إلى كبير حملٍ فيخيّر ربه بين أخذه أو أخذ قيمته يوم غصبه. وقال الشّافعيّة: لو لقي المالك الغاصب بمفازة والمغصوب معه فإن استردّه لم يكلّف الغاصب أجرة النّقل, وإن امتنع المالك من قبوله فوضعه الغاصب بين يديه برئ إن لم يكن لنقله مؤنة.
ولو أخذه المالك وشرط على الغاصب مؤنة النّقل لم يجز, لأنّه نقل ملك نفسه. وقال الحنابلة: إذا غصب إنسان شيئاً ببلد فلقيه المالك ببلد آخر فإن كان من المثليّات وكانت قيمته مختلفةً في البلدين فإن لم يكن له حمل ومؤنة فله المطالبة بمثله, لأنّه يمكن رد المثل من غير ضررٍ, وإن كان لحمله مؤنة وقيمته في البلد الّذي غصبه فيه أقلّ فليس عليه رده ولا رد مثله, لأنّنا لا نكلّفه مؤنة النّقل إلى بلدٍ لا يستحق تسليمه فيه, وللمغصوب منه الخيرة بين الصّبر إلى أن يستوفيه في بلده وبين المطالبة في الحال بقيمته في البلد الّذي غصبه فيه, وإن كان من المتقوّمات فله المطالبة بقيمته في بلد الغصب. وإن قال رب المغصوب: دعه مكانه وأعطني أجرة ردّه إلى مكانه, وإلا ألزمتك بردّه لم يلزمه لأنّها معاوضة فلا يجبر عليها, وإن قال الغاصب: خذ منّي أجر ردّه وتسلمه منّي ههنا أو بذل له أكثر من قيمته لم يلزم المالك قبول ذلك لأنّها معاوضة فلا يجبر عليها.
11 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يرجع إلى شرط الواقف في نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته, وسواء شرطها الواقف من ماله أو من مال الوقف, كأن يقول الواقف: ينفق عليه أو يعمّر من جهة, كذا فإن عيّن الواقف الإنفاق من غلّته أو من غيرها عمل به رجوعاً إلى شرطه, وإن لم يشرط الواقف شيئاً كان الإنفاق عليه من غلّته, لأنّ الوقف يقتضي تحبيس الأصل وتسبيل منفعته, ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه, فكان ذلك من ضروراته. فإن تعطّلت منافعه, فقد قال الشّافعيّة: تكون النّفقة ومؤن التّجهيز - لا العمارة - من بيت المال, كمن أعتق من لا كسب له, أمّا العمارة فلا تجب على أحدٍ حينئذٍ كالملك المطلق بخلاف الحيوان لصيانة روحه وحرمته. قالوا: وظاهر أنّ مثل العمارة أجرة الأرض الّتي بها بناء أو غراس موقوف ولم تف منافعه بالأجرة. وقال الحنابلة: إن لم يكن للموقوف غلّة فنفقته على الموقوف عليه المعيّن, فإن عدم الغلّة لكونه ليس من شأنه أن يؤجّر كالعبد الموقوف عليه ليخدمه والفرس يغزو عليه أو جرّ بنفقته دفعاً للضّرورة, وإن كان الوقف على غير معيّنٍ كالمساكين فنفقته في بيت المال. وقال الحنفيّة: يبدأ من غلّة الوقف بالصّرف على عمارته وإصلاح ما وهى من بنائه, وسائر مؤناته الّتي لا بدّ منها سواء شرط الواقف ذلك أو لم يشرط, لأنّ الوقف صدقة جارية في سبيل اللّه تعالى ولا تجري إلا بهذا الطّريق, قال الكمال بن الهمام: فكانت العمارة مشروطةً اقتضاءً, ولهذا ذكر محمّد في الأصل في شيءٍ من رسم الصكوك: فاشترط أن يرفع الوالي من غلّة الوقف كلّ عامٍ ما يحتاج إليه لأداء العشر والخراج والبذر وأرزاق الولاة عليها والعملة وأجور الحرّاس والحصادين والدّراس, لأنّ حصول منفعتها في كلّ وقتٍ لا يتحقّق إلا بدفع هذه المؤن من رأس الغلّة. وقال الكاساني: لو وقف داره على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى, لأنّ المنفعة له فكانت المؤنة عليه لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضّمان». فإن امتنع من العمارة أو لم يقدر عليها بأن كان فقيراً آجرها القاضي وعمّرها بالأجرة, لأنّ استبقاء الوقف واجب, ولا يبقى إلا بالعمارة, فإذا امتنع عن ذلك أو عجز عنه ناب القاضي منابه في استبقائه بالإجارة, كالدّابّة إذا امتنع صاحبها عن الإنقاق عليها أنفق القاضي عليها بالإجارة, وإن كان الوقف على الفقراء فالمؤنة من الغلّة. وقال المالكيّة: يبدأ بإصلاح الوقف وعمارته من غلّته, ولو شرط الواقف غير ذلك بطل شرطه, وإن احتاج العقار الموقوف على معيّنٍ لسكناه لإصلاحه ولم يصلحه الموقوف عليه من ماله أخرج السّاكن الموقوف عليه للسكنى ليكري لغيره مدّةً مستقبلةً بشرط تعجيل كرائها وإصلاحه بما يكري به. والفرس الموقوف للغزو ينفق عليه من بيت المال ولا تلزم نفقته المحبس ولا المحبس عليه, فإن عُدِم بيت المال بيع وعوّض بثمنه سلاح ونحوه ممّا لا يحتاج لنفقة, وقال ابن جزي: تبتنى الرّباع المحبسة من غلاتها, فإن لم تكن فمن بيت المال.
12 - اختلف الفقهاء فيما تحتاجه العارية من مؤنةٍ وهي عند المستعير, هل هي واجبة على المستعير باعتبار أنّه المنتفع, أم هي واجبة على المعير وهو المالك باعتبار أنّ ذلك من المعروف وجعل المؤنة على المستعير ينفي المعروف وتصير كراءً ؟. كذلك اختلف الفقهاء في مؤنة ردّ العارية هل هي على المستعير أو المعير. وتفصيل ذلك في مصطلح: (إعارة ف 20 - 21).
1 - المائع في اللغة: السّائل والذّائب. وماع الجسم يميع ميعاً وموعاً - من بابي باع وقال - ذاب وسال. ويتعدّى بالهمزة فيقال: أمعته, ويقال ماع الشّيء انماع أي سال, ومنه قول سعيد بن المسيّب: في جهنّم وادٍ يقال له ويل لو سيّرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدّة حرّه، أي: ذابت وسالت. ومعناه الاصطلاحي لا يخرج عن معناه اللغويّ.
يتعلّق بالمائع أحكام مختلفة في عدّة مواضع منها: أ - التّطهير بالمائع: 2 - اختلف الفقهاء في رفع المائع للحدث وإزالته للخبث عن الجسد والثّياب: فقال جمهور الفقهاء: لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث إلا الماء المطلق, وقال غيرهم: يرفع الحدث ويزيل الخبث كل مائعٍ طاهرٍ قالع في الجملة. والتّفصيل في مصطلح: (طهارة ف 9 وما بعدها, ومياه, ونجاسة, ووضوء). ب - تنجس المائعات: 3 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في أولى الرّوايات عندهم إلى أنّ ما سوى الماء المطلق من المائعات كالخلّ وماء الورد, واللّبن والزّيت والعسل والسّمن والمرق والعصير وغيرها تتنجّس بملاقاة النّجاسة سواء كان هذا المائع قليلاً لا يبلغ القلّتين أو كثيراً يبلغ القلّتين وسواء أعسر الاحتراز منها أم لم يعسر, لأنّه ليس لهذه المائعات خاصّيّة دفع الخبث كما هو شأن الماء لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الفأرة تموت في السّمن: «إن كان جامداً فألقوها وما حولها, وإن كان مائعاً فلا تقربوه وفي روايةٍ فأريقوه», ولأنّ الماء يدفع الخبث عن نفسه ولا يحملها, لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجّسه شيء إلا ما غلب ريحه وطعمه ولونه», وهذا ليس في المائعات الأخرى فهي كالماء القليل, فكل ما نجّس الماء القليل نجّس المائع, وإن كان المائع كثيراً, أو كان جارياً, أمّا ما لم ينجّس الماء القليل فإنّه لا ينجّس المائع أيضاً وذلك كالميتة الّتي لا نفس لها سائلة إذا وقعت في المائع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء» وفي روايةٍ: «فليغمسه ثمّ لينزعه». قال النّووي: الدود المتولّد في الأطعمة والماء كدود التّين, والتفّاح والباقلاء والجبن والخلّ وغيرها لا ينجّس ما مات فيه بلا خلافٍ. وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المائع كالماء لا ينجس إلا بما ينجس به الماء. قال ابن عابدين: وحكم سائر المائعات كالماء في الأصحّ - في القلّة والكثرة - حتّى لو وقع بول في عصيرٍ عشر في عشرٍ لم يفسد, ولو سال دم رجله مع العصير لا ينجس ما لم يطهّر فيه أثر الدّم - فكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء - من سائر المائعات, وقال الكاساني: ذكر الكرخي عن أصحابنا أنّ كلّ ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء ثمّ قال: ثمّ الحيوان إذا مات في المائع القليل فلا يخلو إمّا أن يكون له دم سائل أو لا يكون, ولا يخلو إمّا أن يكون برّياً أو مائياً, ولا يخلو إمّا أن يموت في الماء أو في غير الماء, فإن لم يكن له دم سائل كالذباب والزنبور والعقرب والسّمك والجراد ونحوها لا ينجس بالموت, ولا ينجّس ما يموت فيه من المائع سواء كان ماءً أو غيره من المائعات كالخلّ واللّبن والعصير وأشباه ذلك, وسواء كان برّياً أو مائياً كالعقرب ونحوه, وسواء كان السّمك طافياً أو غير طافٍ لأنّ نجاسة الميتة ليست لعين الموت, فإنّ الموت موجود في السّمك والجراد ولا يوجب التّنجيس ولكن لما فيها من الدّم المسفوح ولا دم في هذه الأشياء, وإن كان له دم سائل فإن كان برّياً ينجس بالموت, وينجّس المائع الّذي يموت فيه سواء كان ماءً أو غيره, وسواء مات في المائع أو في غيره ثمّ وقع فيه كسائر الحيوانات الدّمويّة, لأنّ الدّم السّائل نجس فينجّس ما يجاوره, وإن كان مائياً كالضفدع المائيّ والسّرطان ونحو ذلك فإن مات في الماء لا ينجّسه في ظاهر الرّواية وإن مات في غير الماء فإن قيل: إنّ العلّة أنّ هذا ممّا يعيش في الماء فلا يمكن صيانة المياه عن موت هذه الحيوانات يوجب التّنجيس لأنّه يمكن صيانة سائر المائعات عن موتها فيها, وإن قيل: إنّ العلّة أنّها إذا كانت تعيش في الماء لا يكون لها دم إذ الدّموي لا يعيش في الماء فلا يوجب التّنجيس لانعدام الدّم المسفوح. والرّواية الثّانية عن أحمد: أنّ المائعات لا يتنجّس منها ما بلغ القلّتين إلا إذا تغيّر. قال حرب: سألت أحمد قلت: كلب ولغ في سمنٍ أو زيتٍ ؟ قال: إذا كان في آنيةٍ كبيرةٍ مثل حبٍّ أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس ويؤكل, لأنّه كثير فلم ينجس بالنّجاسة من غير تغيرٍ كالماء, وإن كان في آنيّةٍ صغيرةٍ فلا يعجبني ذلك. وهناك رأي آخر للحنابلة وهو: ما أصله الماء - من المائعات - كالخلّ التّمريّ يدفع النّجاسة لأنّ الغالب فيه الماء, وما لا يكون أصله الماء فلا يدفع النّجاسة.
4 - اختلف الفقهاء في إمكانيّة تطهير المائعات المتنجّسة أو عدم إمكان ذلك: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لو تنجّس مائع غير الماء كاللّبن والخلّ ونحوهما تعذّر تطهيره, إذ لا يأتي الماء على كلّه, لأنّه بطبعه يمنع إصابة الماء ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما سئل في فأرةٍ وقعت في سمنٍ: «إن كان جامداً فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه» وفي روايةٍ: «فأريقوه», فلو أمكن تطهيره شرعاً, أو كان إلى تطهيره طريق لم يأمر بالابتعاد عنه, أو بإراقته, بل أمر بغسله وبيّن لهم طريقة تطهيره, لما في ذلك من إضاعة المال. وعليه فإذا تنجّس لبن أو مرق أو زيت أو سمن مائع أو دهن من سائر الأدهان أو غير ذلك من المائعات فلا طريق لتطهيرها للحديث المتقدّم, ولأنّه لا يمكن غسله. واستثنى بعض الشّافعيّة والحنابلة من هذا الزّئبق, فإنّ المتنجّس منه إن أصابته نجاسة ولم ينقطع بعد إصابتها طهّر بصبّ الماء عليه, وإن انقطع فهو كالدهن ولا يمكن تطهيره على الأصحّ. وقال ابن عقيلٍ من الحنابلة: الزّئبق لقوّته وتماسكه يجري مجرى الجامد. كما استثني في قولٍ عند كلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الزّيت والسّمن وسائر الأدهان وقالوا: إنّها تطهر بالغسل قياساً على الثّوب, قالوا: وطريق تطهيرها أن نجعل الدهن في إناءٍ ويصب عليه الماء ويكاثر به ويحرّك بخشبة ونحوها تحريكاً يغلب على الظّنّ أنّه وصل إلى جميع أجزائه, ثمّ يترك حتّى يعلو الدهن على الماء فيأخذه, أو يفتح أسفل الإناء فيخرج الماء ويطهر الدهن ويسد الفتحة بيده أو بغيرها, وذكر ابن عرفة - من المالكيّة - في كيفيّة التّطهير أنّه يطبخ - الزّيت المخلوط بالنّجس - بالماء مرّتين أو ثلاثاً, قال الحطّاب بعد ذكر هذا القول: وقال في التّوضيح كيفيّته - أي التّطهير - على القول به أن يؤخذ إناء فيوضع فيه شيء من الزّيت ويوضع عليه ماء أكثر منه, وينقب الإناء من أسفله ويسده بيده أو بغيرها ثمّ يمخّض الإناء، ثمّ يفتح الإناء فينزل الماء, ويبقى الزّيت يفعل ذلك مرّةً بعد مرّةٍ حتّى ينزل الماء صافياً, قال المالكيّة والشّافعيّة: محل الخلاف إذا كانت النّجاسة الّتي أصابت المائع الدهنيّ غير دهنيّةٍ كالبول مثلاً أما إذا كانت دهنيّةً كودك الميتة فلا تقبل التّطهر بلا خلافٍ لممازجتها له. والفتوى عند الحنفيّة على أنّه يطهر لبن وعسل ودبس ودهن يغلى ثلالاً, وقال في الدرر: ولو تنجّس العسل فتطهيره أن يصبّ فيه ماء بقدره فيغلى حتّى يعود إلى مكانه والدهن يصب عليه الماء فيغلي فيعلو الدهن الماء فيرفع بشيء هكذا ثلاث مرّاتٍ. وتفصيل ذلك في مصطلح: (نجاسة). ج - الانتفاع بالمائعات النّجسة: 5 - ذهب الحنفيّة, والمالكيّة, والحنابلة إلى أنّه لا يجوز الانتفاع بودك الميتة أو شحمها في طلي السفن ونحوها, أو الاستصباح بها أو لأيّ وجهٍ آخر من وجوه الاستعمال ما عدا جلدها إذا دبغ, لعموم النّهي عن ذلك في حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّه سمع رسول اللّه يقول عام الفتح وهو بمكّة: «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس ؟ فقال: لا هو حرام، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل اللّه اليهود إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا حرّم عليهم شحومها أجملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» إلا أنّ ابن قدامة قال: ولبن الميتة وإنفَحتها روي أنّها طاهرة وهو قول أبي حنيفة لأنّ الصّحابة رضي الله عنهم: أكلوا الجبن لمّا دخلوا المدائن وهو يعمل بالإنفَحة وهي تؤخذ من صغار المعز فهو بمنزلة اللّبن وذبائحهم ميّتة. وذهب أحمد بن حنبلٍ, وأحمد بن صالحٍ وابن الماجشون من المالكيّة, وابن المنذر وهو مقابل المشهور عند الشّافعيّة إلى أنّه لا يجوز الانتفاع بشيء من ذلك كلّه في شيءٍ من الأشياء للحديث المتقدّم, ولما على الإنسان من التّعبد في اجتناب النّجاسة, ولأجل دخان النّجاسة - بالنّسبة للاستصباح - فإنّه قد يصيب بدنه أو ثوبه عند القرب من السّراج، نقل عن ابن الماجشون من المالكيّة: أنّه لا ينتفع بشيء من النّجاسات في وجهٍ من الوجوه. وقال الشّافعيّة: يحل مع الكراهة في غير المسجد الاستصباح بالدهن النّجس عينه كودك ميتةٍ, أو بعارض كزيت ونحوه وقعت فيه نجاسة على المشهور في المذهب, لأنّه صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرةٍ وقعت في سمنٍ ؟ فقال: «إن كان جامداً فألقوها وما حولها, وإن كان مائعاً فاستصبحوا به أو فانتفعوا به», وعلى هذا يعفى عمّا يصيب الإنسان من دخان المصباح لقلّته. ومقابل المشهور: أنّه لا يجوز لأجل دخان النّجاسة فإنّه قد يصيب بدنه أو ثوبه عند القرب من السّراج. أمّا في المسجد فلا يجوز لما فيه من تنجيسه كما جزم ابن المقري تبعاً للأذرعيّ والزّركشيّ, وإن كان ميل الإسنويّ إلى الجواز. ويستثنى أيضاً ودك نحو الكلب كما قاله في البيان ونقله الغزّيّ عن الإمام. قال الغزّيّ: ويجوز أن يجعل الزّيت المتنجّس صابوناً أيضاً للاستعمال أي لا للبيع. قال في المجموع: ويجوز طلي السفن بشحم الميتة وإطعامها للكلاب والطيور وإطعام الطّعام المتنجّس للدّوابّ. وفرّق المالكيّة بين نجس العين كالبول وبين المتنجّس فقالوا: بجواز الانتفاع بالمتنجّس لغير المسجد والبدن قال خليل: وينتفع بمتنجّس لا نجسٍ في غير مسجدٍ وآدميٍّ، قال الحطّاب في شرحه: مراده بالمتنجّس ما كان طاهراً في الأصل وأصابته نجاسة كالزّيت والسّمن تقع فيه فأرة أو نجاسة, وبالنّجس ما كانت عينه نجسةً كالبول والعذرة والميتة والدّم. وتفصيل ذلك في مصطلح: (نجاسة).
1 - من معاني المارن في اللغة: الأنف, أو: طرفه, أو: ما لان من الأنف, وقيل: ما لان من الأنف منحدراً عن العظم وفضل عن القصبة. والمارن في اصطلاح الفقهاء: طرف الأنف أو ما لان منه. أ - الأنف: 2 - الأنف هو عضو التّنفس والشّمّ, وهو اسم لمجموع المنخرين والحاجز, والجمع أنوف وآناف وآنُف. فالأنف أعم من المارن اصطلاحاً. ب - الوترة: 3 - الوترة والوتيرة في الأنف صلة ما بين المنخرين, وقيل: الوتيرة من الأنف الحاجز بين المنخرين من مقدّم الأنف دون الغضروف. قال العدويّ: هي الحاجز بين طاقتي الأنف, وقال الحطّاب: الوَتَرة بفتح الواو والتّاء المثنّاة الفوقيّة هي الحاجز بين ثقبي الأنف. والوترة والمارن جزء من الأنف.
4 - اتّفق الفقهاء على أنّ غسل ظاهر المارن واجب في الوضوء والطّهارة بصفّة عامّةٍ, لأنّه من الوجه الّذي فرض غسله في الوضوء بقول اللّه تعالى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}, قال الفقهاء والوجه ما تقع به المواجهة ومنه ظاهر المارن. وأمّا غسل المارن من داخل الأنف فقد اختلف الفقهاء في حكمه: فذهب الحنفيّة إلى أنّ إيصال الماء إلى المارن في الوضوء سنّة, وأمّا في الغسل فهو فرض عندهم. ويرى المالكيّة أنّ إيصال الماء إلى المارن داخل الأنف سنّة في الوضوء والغسل. وقال الشّافعيّة: لا يجب في الوضوء غسل داخل الأنف قطعاً, ولكن يجب غسل ذلك إن تنجّس. وقال الحنابلة: يجب الاستنشاق في الوضوء والغسل, وهو اجتذاب الماء بالنّفس إلى باطن الأنف, ولا يجب إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف, وإنّما ذلك مبالغة مستحبّة في حقّ غير الصّائم. 5 - اتّفق الفقهاء على أنّ المارن إذا قطع من الأنف في غير عمدٍ ففيه دية كاملة لخبر عمرو بن حزمٍ: «في الأنف إذا أوعب جدعه الدّية», ولأنّ فيه جمالاً ومنفعةً زالتا بالقطع فوجبت الدّية الكاملة. وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (ديات ف 35).
6 - الجناية على المارن عمداً موجبة للقصاص عند الأئمّة الأربعة, لقوله تعالى: {وَالأَنفَ بِالأَنفِ}. ولأنّ استيفاء المثل فيه ممكن لأنّ له حداً معلوماً وهو ما لان منه. وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (جناية على ما دون النّفس ف 20).
7 - ذكر المالكيّة أنّ من علامات البلوغ في الذّكر والأنثى فرق أرنبة المارن. وصرّح الشّافعيّة بأنّ انفراق الأرنبة ليس من علامات البلوغ. والتّفصيل في مصطلح: (بلوغ ف 16).
انظر: أنعام
انظر: أنعام.
1 - يطلق المال في اللغة: على كلّ ما تملّكه الإنسان من الأشياء. وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريف المال وذلك على النّحو التّالي: عرّف فقهاء الحنفيّة المال بتعريفات عديدةٍ, فقال ابن عابدين: المراد بالمال ما يميل إليه الطّبع, ويمكن ادّخاره لوقت الحاجة. والماليّة تثبت بتمول النّاس كافّةً أو بعضهم. وعرّف المالكيّة المال بتعريفات مختلفةٍ, فقال الشّاطبيّ: هو ما يقع عليه الملك, ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه. وقال ابن العربيّ: هو ما تمتد إليه الأطماع, ويصلح عادةً وشرعاً للانتفاع به. وقال عبد الوهّاب البغدادي: هو ما يتموّل في العادة ويجوز أخذ العوض عنه. وعرّف الزّركشي من الشّافعيّة المال بأنّه ما كان منتفعاً به, أي مستعداً لأن ينتفع به. وحكى السيوطيّ عن الشّافعيّ أنّه قال: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها, وتلزم متلفه, وإن قلت, وما لا يطرحه النّاس مثل الفلس وما أشبه ذلك. وقال الحنابلة: المال شرعاً ما يباح نفعه مطلقاً, أي في كلّ الأحوال, أو يباح اقتناؤه بلا حاجةٍ. اختلف الفقهاء في ماليّة المنافع كما تباينت أنظارهم حول ماليّة الديون, وبيان ذلك فيما يلي: أ - ماليّة المنافع: 2 - المنافع: جمع منفعةٍ. ومن أمثلتها عند الفقهاء: سكنى الدّار ولبس الثّوب وركوب الدّابّة. وقد اختلف الفقهاء في ماليّتها على قولين: أحدهما للحنفيّة: وهو أنّ المنافع ليست أموالاً متقوّمةً في حدّ ذاتها, لأنّ صفة الماليّة للشّيء إنّما تثبت بالتّمول, والتّمول يعني صيانة الشّيء وادّخاره لوقت الحاجة, والمنافع لا تبقى زمانين, لكونها أعراضاً, فكلّما تخرج من حيّز العدم إلى حيّز الوجود تتلاشى, فلا يتصوّر فيها التّمول. غير أنّ الحنفيّة يعتبرون المنافع أموالاً متقوّمةً إذا ورد عليها عقد معاوضةٍ, كما في الإجارة, وذلك على خلاف القياس, وما كان على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس. والثّاني لجمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة: وهو أنّ المنافع أموال بذاتها, لأنّ الأعيان لا تقصد لذاتها, بل لمنافعها, وعلى ذلك أعراف النّاس ومعاملاتهم. ولأنّ الشّرع قد حكم بكون المنفعة مالاً عندما جعلها مقابلةً بالمال في عقد الإجارة, وهو من عقود المعاوضات الماليّة, وكذا عندما أجاز جعلها مهراً في عقد النّكاح, ولأنّ في عدم اعتبارها أموالاً تضييعاً لحقوق النّاس وإغراءً للظّلمة في الاعتداء على منافع الأعيان الّتي يملكها غيرهم, وفي ذلك من الفساد والجور ما يناقض مقاصد الشّريعة وعدالتها. وقال الشّربيني الخطيب: المنافع ليست أموالاً على الحقيقة بل على ضربٍ من التّوسع والمجاز بدليل أنّها معدومة لا قدرة عليها. ب - ماليّة الديون 3 - الدّين في الاصطلاح الفقهيّ هو لزوم حقٍّ في الذّمّة. وقد يكون محله مالاً كما أنّه قد يكون عملاً أو عبادةً كصوم وصلاةٍ وحجٍّ وغير ذلك. (ر: دين ف 37, دين اللّه ف 3). ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحقّ الواجب في الذّمّة إذا لم يكن مالياً, فإنّه لا يعتبر مالاً, ولا يترتّب عليه شيء من أحكامه. أمّا إذا كان الدّين الشّاغل للذّمّة مالياً, فقد اختلف الفقهاء في اعتباره مالاً حقيقةً, وذلك على قولين: أحدهما للحنفيّة: وهو أنّ الدّين في الذّمّة ليس مالاً حقيقياً, إذ هو عبارة عن وصفٍ شاغلٍ للذّمّة, ولا يتصوّر قبضه حقيقةً, ولكن نظراً لصيرورته مالاً في المآل سمّي مالاً مجازاً. والثّاني قال الزّركشي من الشّافعيّة: الدّين: هل هو مال في الحقيقة أو هو حق مطالبةٍ يصير مالاً في المآل ؟. فيه طريقان حكاهما المتولّي, ووجه الأوّل: أنّه يثبت به حكم اليسار حتّى تلزمه نفقة الموسرين وكفّارتهم ولا تحل له الصّدقة. ووجه الثّاني: أنّ الماليّة من صفات الموجود, وليس ههنا شيء موجود, قال: وإنّما استنبط هذا من قول الشّافعيّ: فمن ملك ديوناً على النّاس, هل تلزمه الزّكاة ؟ المذهب الوجوب, وفي القديم قول أنّها لا تجب ويتفرّع عليه فروع: منها: هل يجوز بيع الدّين من غير من عليه الدّين ؟ إن قلنا: إنّه مال جاز، أو حق فلا, لأنّ الحقوق لا تقبل النّقل إلى الغير. ومنها: أنّ الإبراء عن الدّين إسقاط أو تمليك ؟ ومنها: حلف لا مال له, وله دين حال على مليءٍ, حنث على المذهب, وكذا المؤجّل, أو على المعسر في الأصحّ.
|